التفاصيل الكاملة لاختراق ضباط الموساد الحدود المصرية وقتلهم مواطنًا مصريًا
تحقيق : أحمد بلال
كانت
عقارب الساعة تقترب من العاشرة والنصف صباح يوم الأحد 26 أغسطس، عندما قرر
إبراهيم عويضة، الخروج من منزله لشراء حلوى لأطفاله من محل صغير في قرية
الخريزة الحدودية التي يسكن فيها. طلب منهم انتظاره حتى يعود إليهم
بالحلوى. وذهب دون أن يعود إليهم حتى الآن، أما هم فمازالوا ينتظرونه،
يجيبون عليك عندما تسألهم عن والدهم قائلين إنه ذهب ليشتري لهم حلوى وسيعود
مرة أخرى.
تبعد قرية الخريزة 15 كيلومترًا عن
الحدود الإسرائيلية، وتبعد عن مركز الحسنة التابعة له إداريًا حوالي 100
كيلومتر، ويعيش فيها أبناء قبيلة البريكات، التي ينتمي إليها إبراهيم
عويضة.
كانت القرية على موعد مساء يوم السبت 25
أغسطس مع 4 من ضباط الموساد الإسرائيلي، الذين اجتازوا الحدود المصرية،
بمساعدة 3 من العملاء الذين نجحت المخابرات الإسرائيلية في تجنيدهم من بين
أبناء المنطقة. كان كل منهم يحمل عبوة ناسفة تزن 20 كيلوجرامًا، ومسلحًا
ببندقية آلية من طراز M16، بحسب تحقيقات التنظيم الذي ينتمي إليه عويضة مع
أحد العملاء. عبروا الجانب الإسرائيلي، ثم قصوا الشريط الحدودي المصري،
فيما كان تنتظرهم سيارة أحد العملاء على الحدود ليستقلونها جميعًا في
طريقهم إلى الهدف الذي وضعه الموساد الإسرائيلي على رأس قائمة الاغتيالات.
لم
يكن هذا الاختراق هو الأول من نوعه في عملية اغتيال إبراهيم عويضة، حيث
سبقه اختراق آخر مساء 21 أغسطس، بحسب ما أكد بيان جماعة «أنصار بيت المقدس»
الجهادية التي ينتمي إليها عويضة، والموجودة في قطاع غزة، وتمارس نشاطها
في سيناء، إلا أن المستهدف كان في قبضة أجهزة الأمن المصرية في هذه الفترة،
حيث كان يتم التحقيق معه، قبل أن يطلق سراحه قبل عملية اغتياله بيوم واحد.
وتعمل
عدد من الجماعات السلفية الجهادية الفلسطينية في شبه جزيرة سيناء، بعد
تضييق الخناق عليها من قبل حكومة حماس في قطاع غزة، خاصة بعد قتل حماس 29
ناشطًا جهاديًا في مسجد بن تيمية برفح الفلسطينية، ينتمون لجماعة سلفية،
أعلنت «إمارة إسلامية» في القطاع، ما أدى إلى حصر تواجد هذه الجماعات في
قطاع غزة في الوجود السياسي، بينما يستخدمون سيناء كقاعدة لانطلاق عملياتهم
العسكرية ضد إسرائيل.
في منزل أبيض من طابق واحد،
مثل بقية بيوت الخريزة، كان يسكن إبراهيم عويضة مع زوجته وأطفاله. يتميز
منزله بأن ثمة طريق وحيد هو الذي يصل إليه ويرتفع عن ما سواه من الأرض. بعد
العاشرة والنصف من صباح الأحد 26 أغسطس، ركب عويضة دراجته النارية مستقلًا
نفس الطريق الذي اعتاد أن يسلكه يوميًا، كان في طريقه لشراء حلوى لأطفاله،
قبل أن يخرجون على دوي انفجار كبير، قطع جسد والدهم إلى أشلاء تناثرت حتى
مسافة 500 مترًا، ولم يترك لهم سوى حفرة عميقة من أثر الانفجار، وبقايا
الدراجة النارية التي كان يستقلها.
نفذ ضباط
الموساد وعملائهم العملية بحرفية شديدة، حتى أن الرمال التي أخرجوها من
الحفرة وزعوها أسفل جانبي الطريق، تحت شجيرات صغيرة، كي لا يلاحظ إبراهيم
عويضة تغيرًا في طريقه فيشك في الأمر. فيما قام أحد العملاء بزرع شريحة
أسفل تانك البنزين في دراجة عويضة النارية، وهي الشرائح التي يوجد مثيل لها
في اللغم الموضوع في الحفرة التي تم حفرها، حتى إذا مرة الدراجة النارية
فوق اللغم تغلق الدائرة ويتم تفجير اللغم في الحال.
يقول
مصطفى الأطرش، منسق حملة الأسرى المصريين داخل سجون الاحتلال، إن إبراهيم
عويضة، بدأ قبل عامين في التوجه نحو الفكر «السلفي المعتدل»، وإنه أحد أفضل
الأشخاص القادرين على اختراق الحدود الإسرائيلية، فيما يؤكد بيان جماعة
«أنصار بيت المقدس» التي ينتمي إليها إبراهيم أنه كان ضمن فريق الإسناد
الذي ساند المجموعة المنفذة لـ«هجمات إيلات» العام الماضي، وأنه قام بنفسه
بعملية استهداف الحافلة التي كانت تقل جنود إسرائيليين قبل شهور.
من
خلال تقصي أثر من قاموا بالعملية، (وهي عملية تمت بحضور ضابط مخابرات
مصري) وهو عمل يتقنه أبناء سيناء جيدًا، وجدوا آثارًا لأربعة أشخاص، كما
يقول عبد الله فراج، ابن قبيلة القتيل إبراهيم عويضة، يرتدون حذاء «هاي
تيك»، وهو حذاء لا يأتي إلا من إسرائيل كما يؤكد، ويرافقهم ثلاثة أشخاص
آخرين، استطاعوا تحديد هويتهم من خلال أثر أقدامهم على الأرض. امتد أثر
الأقدام من مكان اللغم وحتى كيلومترين، حيث تنتهي آثار الأقدام عند سيارة،
كانوا يستقلونها من الحدود.
حدد خبراء تقصي الأثر
مواصفات السيارة كالتالي: أربع عجلات منقوشة بشكل طبيعي فيما كانت الخطوط
المنقوشة على العجلة الرابعة ممسوحة بالكامل، أيضًا أشارت آثار عجلات
السيارة إلى قيام سائقها بتجاوز دوران في مساحة ضيقة، وهو ما يشير إلى أن
السيارة حديثة.
يقول مصطفى الأطرش: كل هذه
المواصفات سواء كانت آثار الأقدام أو السيارة توفرت في شخص يدعى «منيزل»،
وهو ابن نفس القبيلة التي ينتمي إليها عويضة، بالإضافة إلى شخصين آخرين،
ويضيف: «كل الاجراءات الإيجابية التي أدت للكشف عن تفاصيل العملية وعن
العملاء قامت بها قبيلة البريكات».
تم الكشف عن
الجناة في اليوم التالي للعملية مباشرة، بعدها بيومين أوقف مجهولون كانوا
يستقلون سيارتين إحداهما تايلاندي والأخرى كروز سيارة تويوتا 2005، على
طريق لحفن في وسط سيناء، كان يستقلها المدعو «منيزل»، وشخص آخر، أنزل
المسلحون الشخص الآخر وطلبوا منه الانصراف، فأخبرهم انه ابن عم «منيزل»
فقالوا له، بحسب مصطفى الأطرش: «أنت ترباني وليس لنا مشاكل مع الترابين»،
ويضيف الأطرش: «كان استخدام الآلية يشير إلى أنهم بدو».
بعد
يوم، وضعت رأس منيزل على مفارق القطف، في الطريق المؤدي لمعبر العوجة، على
بعد ما يقارب 5 أو 6 متر في الرمال، يقول مصطفى الأطرش: «من وضع الرأس كان
محترف جدًا، لأنه وضع أحجار تحت أقدامه كي لا يستطيع أحد تحديد هويته أو
تقصي أثره»، أما الجثة فألقيت في بئر العبد حوالي 70 كيلومتر غرب العريش،
يقول الأطرش: «هذا الأمر له مغزيين في اعتقادي، الأول: أن هذا الطريق
(مفارق القطف) طريق عام يسلكه كل أبناء القبائل فوضعوا رأسه عبرة. والثاني:
أنه كما جعل جثة الشهيد إبراهيم أشلاء فرقوا رأسه عن جسده».
استطاع
أبناء قبيلة البريكات، وتنظيم «أنصار بيت المقدس» في أيام قلائل الكشف عن
خلية تجسس كاملة تعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية، قتل أحدهم (منيزل)
واختفى آخر فيما هرب الثالث ويدعى سلامة محمد العويد، إلى إسرائيل بعد
الكشف عنه.
يقول عبد الله فراج، ابن قبيلة
البريكات، التي يسكن الخريزة: «هرب (سلامة) لإسرائيل. اختراق الحدود
المصرية سهل، وفي الجانب الإسرائيلي ينتظرونه هناك. بعد عبوره الحدود اتصل
بتاجر سيارات وأخبره بهروبه وطلب منه الذهاب إلى الحدود لأخذ سيارته»،
ويضيف فراج أن الهارب إلى إسرائيل، كانت تحوم حوله الشبهات، وكانت
المخابرات تسأل عنه طوال العام ونصف الأخيرين، ثم يتساءل: «لا نعرف لماذا
لم يتعاملون معه».
يتابع فراج: «الموساد بدأ في
الفترة الأخيرة في تجنيد بعض من أبناء المنطقة، من تم اتهامهم في القضية
(العملاء) يعيشون حولنا، وفجأة وجدناهم ركبوا سيارات. تقريبًا الموساد أرسل
لهم أموال لشراء سيارات ليذهبوا بها إلى الحدود ويعودون».
يستغل
الموساد الإسرائيلي الظروف الصعبة التي يعيش فيها أبناء المنطقة الحدودية.
في قرية الخريزة، لا يرى أبنائها الكهرباء في أفضل الأحوال إلا ست ساعات
يوميًا، من خلال مولد كهرباء متهالك ودائم العطل، يعمل نظريًا من السادسة
مساءً وحتى الثانية عشر، أما عمليًا فلا يعمل في كثير من الأيام. كما يقول
عبد الله فراج، الذي يضيف: نضطر لشراء الماء من مسافات بعيدة، لأن المياه
التي تصلنا غير صالحة للشرب.
يضطر أبناء الخريزة
إلى السفر 50 كيلومترًا شمالًا لإجراء اتصالات تليفونية من قرية القسيمة،
حيث لا تعمل شبكات المحمول المصرية في المنطقة، ما يجبر بعض أبنائها على
استخدام شبكات المحمول الإسرائيلية التي تغطي المنطقة بشكل كامل. يقول
فراج: «حضر من قبل مسؤول من المخابرات والمحافظ، بخصوص مشكلة شبكات
المحمول، ووعدنا المحافظ بعمل عامود إرسال وجاء بالفعل مسؤول من إحدى شبكات
المحمول، ثم لم يحدث شيء، وعندما سألنا قالوا لنا إن المخابرات قد رفضت».
لا تعرف قرية الخريزة حتى المواصلات، حيث تتوقف عند القسيمة 50 كيلومترًا
شمال الخريزة. لا تعرف قرية الخريزة من الدولة المصرية سوى الانتماء الذي
يكنونه لها.
يقول مصطفى الأطرش: «منطقة في مثل هذه
الظروف الاقتصادية وفي مثل هذا الفقر لابد أن يكون بها شوائب متراكمة.
حدودنا غير مؤمنة، اتفاقية كامب ديفيد تحدد القوات الموجودة في المنطقة ج
بـ 750 شرطي، علمًا أن من بينهم من هو موجود في كمائن في الوسط ومن يتبقى
على الحدود. كل هذا بسبب الاتفاقية التي تنتزع كل الصلاحيات الإنسانية.
الاتفاقية لم تضع الإنسان في طياتها، فلم يصبح هناك زراعة ولا صناعة ولا
غيرها».
قسمت اتفاقية كامب ديفيد سيناء تقسيمًا
جغرافيًا أمنيًا إلى ثلاث شرائح طولية، هي أ، ب، ج على التوالي من الغرب
إلى الشرق. المنطقة أ، وتبدأ من الضفة الشرقية لقناة السويس، بعرض 58
كيلومتر، وتسمح فيها الاتفاقية لمصر بوجود فرقة مشاة ميكانيكي فقط،
والمنطقة ب وعرضها 109 كيلومتر، وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود
مسلحون بأسلحة خفيفة، ثم المنطقة ج وعرضها 33 كيلومتر تمتد حتى الحدود
الدولية مع إسرائيل، ويقتصر الوجود الأمني فيها على قوات الشرطة فقط.
في
مثل هذا الوضع الأمني المتردي على الحدود المصرية_ الإسرائيلية لا يمثل
اختراق الحدود المصرية من قبل ضباط الموساد (أو غيرهم) أي صعوبة، يقول عبد
الله فراج: «بالتأكيد يخترقون الحدود (ضباط الموساد) ويذهبون لمصر ويرجعون،
ولكن ما كشف هذا الاختراق أن هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها عملية
قتل»، ويقول مصطفى الأطرش: «عندما تريد إسرائيل أنن تأخذ شخص من سيناء
تأخذه. هناك اقتحامات (للحدود). هناك أشخاص نفتقدهم حتى اليوم ولا نعرف أين
هم، ويقال لأهاليهم إنهم في إسرائيل».
في أقل من
أسبوع واحد استطاع التنظيم الذي انتمى إليه عويضة كشف تفاصيل العملية وشبكة
التجسس التي وشت به، وألقى القبض على زعيمها وحقق معه، واقتص منه بقطع
رأسه ووضعها على طريق عام عبرة لمن لم يعتبر، فيما تتواصل الحملة «نسر»
التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة التابعة لدولة بأكملها منذ
رمضان الماضي، لإلقاء القبض على من قتل الجنود المصريين لحظة إفطارهم، دون
جدوى.
يرى مصطفى الأطرش أن سبب نجاح التنظيم في هذه
المهمة في هذا الوقت القياسي هو اعتماده بشكل أساسي على أبناء قبائل سيناء
في الكشف عن تفاصيل العملية بعكس الدولة المصرية، ويضيف ابن قبيلة
الترابين: «طالما لم يستعينوا بأبناء القبائل ستظل الحملة دائرة، حاولنا أن
نكون يد طولى من أجل القضاء على ما يحدث في سيناء، لأن هذا الأمر خطر على
كل أبناء سيناء، إلا أن الأجهزة الأمنية ترفض».
تحقيق : أحمد بلال
كانت عقارب الساعة تقترب من العاشرة والنصف صباح يوم الأحد 26 أغسطس، عندما قرر إبراهيم عويضة، الخروج من منزله لشراء حلوى لأطفاله من محل صغير في قرية الخريزة الحدودية التي يسكن فيها. طلب منهم انتظاره حتى يعود إليهم بالحلوى. وذهب دون أن يعود إليهم حتى الآن، أما هم فمازالوا ينتظرونه، يجيبون عليك عندما تسألهم عن والدهم قائلين إنه ذهب ليشتري لهم حلوى وسيعود مرة أخرى.
تبعد قرية الخريزة 15 كيلومترًا عن الحدود الإسرائيلية، وتبعد عن مركز الحسنة التابعة له إداريًا حوالي 100 كيلومتر، ويعيش فيها أبناء قبيلة البريكات، التي ينتمي إليها إبراهيم عويضة.
كانت القرية على موعد مساء يوم السبت 25 أغسطس مع 4 من ضباط الموساد الإسرائيلي، الذين اجتازوا الحدود المصرية، بمساعدة 3 من العملاء الذين نجحت المخابرات الإسرائيلية في تجنيدهم من بين أبناء المنطقة. كان كل منهم يحمل عبوة ناسفة تزن 20 كيلوجرامًا، ومسلحًا ببندقية آلية من طراز M16، بحسب تحقيقات التنظيم الذي ينتمي إليه عويضة مع أحد العملاء. عبروا الجانب الإسرائيلي، ثم قصوا الشريط الحدودي المصري، فيما كان تنتظرهم سيارة أحد العملاء على الحدود ليستقلونها جميعًا في طريقهم إلى الهدف الذي وضعه الموساد الإسرائيلي على رأس قائمة الاغتيالات.
لم يكن هذا الاختراق هو الأول من نوعه في عملية اغتيال إبراهيم عويضة، حيث سبقه اختراق آخر مساء 21 أغسطس، بحسب ما أكد بيان جماعة «أنصار بيت المقدس» الجهادية التي ينتمي إليها عويضة، والموجودة في قطاع غزة، وتمارس نشاطها في سيناء، إلا أن المستهدف كان في قبضة أجهزة الأمن المصرية في هذه الفترة، حيث كان يتم التحقيق معه، قبل أن يطلق سراحه قبل عملية اغتياله بيوم واحد.
وتعمل عدد من الجماعات السلفية الجهادية الفلسطينية في شبه جزيرة سيناء، بعد تضييق الخناق عليها من قبل حكومة حماس في قطاع غزة، خاصة بعد قتل حماس 29 ناشطًا جهاديًا في مسجد بن تيمية برفح الفلسطينية، ينتمون لجماعة سلفية، أعلنت «إمارة إسلامية» في القطاع، ما أدى إلى حصر تواجد هذه الجماعات في قطاع غزة في الوجود السياسي، بينما يستخدمون سيناء كقاعدة لانطلاق عملياتهم العسكرية ضد إسرائيل.
في منزل أبيض من طابق واحد، مثل بقية بيوت الخريزة، كان يسكن إبراهيم عويضة مع زوجته وأطفاله. يتميز منزله بأن ثمة طريق وحيد هو الذي يصل إليه ويرتفع عن ما سواه من الأرض. بعد العاشرة والنصف من صباح الأحد 26 أغسطس، ركب عويضة دراجته النارية مستقلًا نفس الطريق الذي اعتاد أن يسلكه يوميًا، كان في طريقه لشراء حلوى لأطفاله، قبل أن يخرجون على دوي انفجار كبير، قطع جسد والدهم إلى أشلاء تناثرت حتى مسافة 500 مترًا، ولم يترك لهم سوى حفرة عميقة من أثر الانفجار، وبقايا الدراجة النارية التي كان يستقلها.
نفذ ضباط الموساد وعملائهم العملية بحرفية شديدة، حتى أن الرمال التي أخرجوها من الحفرة وزعوها أسفل جانبي الطريق، تحت شجيرات صغيرة، كي لا يلاحظ إبراهيم عويضة تغيرًا في طريقه فيشك في الأمر. فيما قام أحد العملاء بزرع شريحة أسفل تانك البنزين في دراجة عويضة النارية، وهي الشرائح التي يوجد مثيل لها في اللغم الموضوع في الحفرة التي تم حفرها، حتى إذا مرة الدراجة النارية فوق اللغم تغلق الدائرة ويتم تفجير اللغم في الحال.
يقول مصطفى الأطرش، منسق حملة الأسرى المصريين داخل سجون الاحتلال، إن إبراهيم عويضة، بدأ قبل عامين في التوجه نحو الفكر «السلفي المعتدل»، وإنه أحد أفضل الأشخاص القادرين على اختراق الحدود الإسرائيلية، فيما يؤكد بيان جماعة «أنصار بيت المقدس» التي ينتمي إليها إبراهيم أنه كان ضمن فريق الإسناد الذي ساند المجموعة المنفذة لـ«هجمات إيلات» العام الماضي، وأنه قام بنفسه بعملية استهداف الحافلة التي كانت تقل جنود إسرائيليين قبل شهور.
من خلال تقصي أثر من قاموا بالعملية، (وهي عملية تمت بحضور ضابط مخابرات مصري) وهو عمل يتقنه أبناء سيناء جيدًا، وجدوا آثارًا لأربعة أشخاص، كما يقول عبد الله فراج، ابن قبيلة القتيل إبراهيم عويضة، يرتدون حذاء «هاي تيك»، وهو حذاء لا يأتي إلا من إسرائيل كما يؤكد، ويرافقهم ثلاثة أشخاص آخرين، استطاعوا تحديد هويتهم من خلال أثر أقدامهم على الأرض. امتد أثر الأقدام من مكان اللغم وحتى كيلومترين، حيث تنتهي آثار الأقدام عند سيارة، كانوا يستقلونها من الحدود.
حدد خبراء تقصي الأثر مواصفات السيارة كالتالي: أربع عجلات منقوشة بشكل طبيعي فيما كانت الخطوط المنقوشة على العجلة الرابعة ممسوحة بالكامل، أيضًا أشارت آثار عجلات السيارة إلى قيام سائقها بتجاوز دوران في مساحة ضيقة، وهو ما يشير إلى أن السيارة حديثة.
يقول مصطفى الأطرش: كل هذه المواصفات سواء كانت آثار الأقدام أو السيارة توفرت في شخص يدعى «منيزل»، وهو ابن نفس القبيلة التي ينتمي إليها عويضة، بالإضافة إلى شخصين آخرين، ويضيف: «كل الاجراءات الإيجابية التي أدت للكشف عن تفاصيل العملية وعن العملاء قامت بها قبيلة البريكات».
تم الكشف عن الجناة في اليوم التالي للعملية مباشرة، بعدها بيومين أوقف مجهولون كانوا يستقلون سيارتين إحداهما تايلاندي والأخرى كروز سيارة تويوتا 2005، على طريق لحفن في وسط سيناء، كان يستقلها المدعو «منيزل»، وشخص آخر، أنزل المسلحون الشخص الآخر وطلبوا منه الانصراف، فأخبرهم انه ابن عم «منيزل» فقالوا له، بحسب مصطفى الأطرش: «أنت ترباني وليس لنا مشاكل مع الترابين»، ويضيف الأطرش: «كان استخدام الآلية يشير إلى أنهم بدو».
بعد يوم، وضعت رأس منيزل على مفارق القطف، في الطريق المؤدي لمعبر العوجة، على بعد ما يقارب 5 أو 6 متر في الرمال، يقول مصطفى الأطرش: «من وضع الرأس كان محترف جدًا، لأنه وضع أحجار تحت أقدامه كي لا يستطيع أحد تحديد هويته أو تقصي أثره»، أما الجثة فألقيت في بئر العبد حوالي 70 كيلومتر غرب العريش، يقول الأطرش: «هذا الأمر له مغزيين في اعتقادي، الأول: أن هذا الطريق (مفارق القطف) طريق عام يسلكه كل أبناء القبائل فوضعوا رأسه عبرة. والثاني: أنه كما جعل جثة الشهيد إبراهيم أشلاء فرقوا رأسه عن جسده».
استطاع أبناء قبيلة البريكات، وتنظيم «أنصار بيت المقدس» في أيام قلائل الكشف عن خلية تجسس كاملة تعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية، قتل أحدهم (منيزل) واختفى آخر فيما هرب الثالث ويدعى سلامة محمد العويد، إلى إسرائيل بعد الكشف عنه.
يقول عبد الله فراج، ابن قبيلة البريكات، التي يسكن الخريزة: «هرب (سلامة) لإسرائيل. اختراق الحدود المصرية سهل، وفي الجانب الإسرائيلي ينتظرونه هناك. بعد عبوره الحدود اتصل بتاجر سيارات وأخبره بهروبه وطلب منه الذهاب إلى الحدود لأخذ سيارته»، ويضيف فراج أن الهارب إلى إسرائيل، كانت تحوم حوله الشبهات، وكانت المخابرات تسأل عنه طوال العام ونصف الأخيرين، ثم يتساءل: «لا نعرف لماذا لم يتعاملون معه».
يتابع فراج: «الموساد بدأ في الفترة الأخيرة في تجنيد بعض من أبناء المنطقة، من تم اتهامهم في القضية (العملاء) يعيشون حولنا، وفجأة وجدناهم ركبوا سيارات. تقريبًا الموساد أرسل لهم أموال لشراء سيارات ليذهبوا بها إلى الحدود ويعودون».
يستغل الموساد الإسرائيلي الظروف الصعبة التي يعيش فيها أبناء المنطقة الحدودية. في قرية الخريزة، لا يرى أبنائها الكهرباء في أفضل الأحوال إلا ست ساعات يوميًا، من خلال مولد كهرباء متهالك ودائم العطل، يعمل نظريًا من السادسة مساءً وحتى الثانية عشر، أما عمليًا فلا يعمل في كثير من الأيام. كما يقول عبد الله فراج، الذي يضيف: نضطر لشراء الماء من مسافات بعيدة، لأن المياه التي تصلنا غير صالحة للشرب.
يضطر أبناء الخريزة إلى السفر 50 كيلومترًا شمالًا لإجراء اتصالات تليفونية من قرية القسيمة، حيث لا تعمل شبكات المحمول المصرية في المنطقة، ما يجبر بعض أبنائها على استخدام شبكات المحمول الإسرائيلية التي تغطي المنطقة بشكل كامل. يقول فراج: «حضر من قبل مسؤول من المخابرات والمحافظ، بخصوص مشكلة شبكات المحمول، ووعدنا المحافظ بعمل عامود إرسال وجاء بالفعل مسؤول من إحدى شبكات المحمول، ثم لم يحدث شيء، وعندما سألنا قالوا لنا إن المخابرات قد رفضت».
لا تعرف قرية الخريزة حتى المواصلات، حيث تتوقف عند القسيمة 50 كيلومترًا شمال الخريزة. لا تعرف قرية الخريزة من الدولة المصرية سوى الانتماء الذي يكنونه لها.
يقول مصطفى الأطرش: «منطقة في مثل هذه الظروف الاقتصادية وفي مثل هذا الفقر لابد أن يكون بها شوائب متراكمة. حدودنا غير مؤمنة، اتفاقية كامب ديفيد تحدد القوات الموجودة في المنطقة ج بـ 750 شرطي، علمًا أن من بينهم من هو موجود في كمائن في الوسط ومن يتبقى على الحدود. كل هذا بسبب الاتفاقية التي تنتزع كل الصلاحيات الإنسانية. الاتفاقية لم تضع الإنسان في طياتها، فلم يصبح هناك زراعة ولا صناعة ولا غيرها».
قسمت اتفاقية كامب ديفيد سيناء تقسيمًا جغرافيًا أمنيًا إلى ثلاث شرائح طولية، هي أ، ب، ج على التوالي من الغرب إلى الشرق. المنطقة أ، وتبدأ من الضفة الشرقية لقناة السويس، بعرض 58 كيلومتر، وتسمح فيها الاتفاقية لمصر بوجود فرقة مشاة ميكانيكي فقط، والمنطقة ب وعرضها 109 كيلومتر، وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود مسلحون بأسلحة خفيفة، ثم المنطقة ج وعرضها 33 كيلومتر تمتد حتى الحدود الدولية مع إسرائيل، ويقتصر الوجود الأمني فيها على قوات الشرطة فقط.
في مثل هذا الوضع الأمني المتردي على الحدود المصرية_ الإسرائيلية لا يمثل اختراق الحدود المصرية من قبل ضباط الموساد (أو غيرهم) أي صعوبة، يقول عبد الله فراج: «بالتأكيد يخترقون الحدود (ضباط الموساد) ويذهبون لمصر ويرجعون، ولكن ما كشف هذا الاختراق أن هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها عملية قتل»، ويقول مصطفى الأطرش: «عندما تريد إسرائيل أنن تأخذ شخص من سيناء تأخذه. هناك اقتحامات (للحدود). هناك أشخاص نفتقدهم حتى اليوم ولا نعرف أين هم، ويقال لأهاليهم إنهم في إسرائيل».
في أقل من أسبوع واحد استطاع التنظيم الذي انتمى إليه عويضة كشف تفاصيل العملية وشبكة التجسس التي وشت به، وألقى القبض على زعيمها وحقق معه، واقتص منه بقطع رأسه ووضعها على طريق عام عبرة لمن لم يعتبر، فيما تتواصل الحملة «نسر» التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة التابعة لدولة بأكملها منذ رمضان الماضي، لإلقاء القبض على من قتل الجنود المصريين لحظة إفطارهم، دون جدوى.
يرى مصطفى الأطرش أن سبب نجاح التنظيم في هذه المهمة في هذا الوقت القياسي هو اعتماده بشكل أساسي على أبناء قبائل سيناء في الكشف عن تفاصيل العملية بعكس الدولة المصرية، ويضيف ابن قبيلة الترابين: «طالما لم يستعينوا بأبناء القبائل ستظل الحملة دائرة، حاولنا أن نكون يد طولى من أجل القضاء على ما يحدث في سيناء، لأن هذا الأمر خطر على كل أبناء سيناء، إلا أن الأجهزة الأمنية ترفض».
كانت عقارب الساعة تقترب من العاشرة والنصف صباح يوم الأحد 26 أغسطس، عندما قرر إبراهيم عويضة، الخروج من منزله لشراء حلوى لأطفاله من محل صغير في قرية الخريزة الحدودية التي يسكن فيها. طلب منهم انتظاره حتى يعود إليهم بالحلوى. وذهب دون أن يعود إليهم حتى الآن، أما هم فمازالوا ينتظرونه، يجيبون عليك عندما تسألهم عن والدهم قائلين إنه ذهب ليشتري لهم حلوى وسيعود مرة أخرى.
تبعد قرية الخريزة 15 كيلومترًا عن الحدود الإسرائيلية، وتبعد عن مركز الحسنة التابعة له إداريًا حوالي 100 كيلومتر، ويعيش فيها أبناء قبيلة البريكات، التي ينتمي إليها إبراهيم عويضة.
كانت القرية على موعد مساء يوم السبت 25 أغسطس مع 4 من ضباط الموساد الإسرائيلي، الذين اجتازوا الحدود المصرية، بمساعدة 3 من العملاء الذين نجحت المخابرات الإسرائيلية في تجنيدهم من بين أبناء المنطقة. كان كل منهم يحمل عبوة ناسفة تزن 20 كيلوجرامًا، ومسلحًا ببندقية آلية من طراز M16، بحسب تحقيقات التنظيم الذي ينتمي إليه عويضة مع أحد العملاء. عبروا الجانب الإسرائيلي، ثم قصوا الشريط الحدودي المصري، فيما كان تنتظرهم سيارة أحد العملاء على الحدود ليستقلونها جميعًا في طريقهم إلى الهدف الذي وضعه الموساد الإسرائيلي على رأس قائمة الاغتيالات.
لم يكن هذا الاختراق هو الأول من نوعه في عملية اغتيال إبراهيم عويضة، حيث سبقه اختراق آخر مساء 21 أغسطس، بحسب ما أكد بيان جماعة «أنصار بيت المقدس» الجهادية التي ينتمي إليها عويضة، والموجودة في قطاع غزة، وتمارس نشاطها في سيناء، إلا أن المستهدف كان في قبضة أجهزة الأمن المصرية في هذه الفترة، حيث كان يتم التحقيق معه، قبل أن يطلق سراحه قبل عملية اغتياله بيوم واحد.
وتعمل عدد من الجماعات السلفية الجهادية الفلسطينية في شبه جزيرة سيناء، بعد تضييق الخناق عليها من قبل حكومة حماس في قطاع غزة، خاصة بعد قتل حماس 29 ناشطًا جهاديًا في مسجد بن تيمية برفح الفلسطينية، ينتمون لجماعة سلفية، أعلنت «إمارة إسلامية» في القطاع، ما أدى إلى حصر تواجد هذه الجماعات في قطاع غزة في الوجود السياسي، بينما يستخدمون سيناء كقاعدة لانطلاق عملياتهم العسكرية ضد إسرائيل.
في منزل أبيض من طابق واحد، مثل بقية بيوت الخريزة، كان يسكن إبراهيم عويضة مع زوجته وأطفاله. يتميز منزله بأن ثمة طريق وحيد هو الذي يصل إليه ويرتفع عن ما سواه من الأرض. بعد العاشرة والنصف من صباح الأحد 26 أغسطس، ركب عويضة دراجته النارية مستقلًا نفس الطريق الذي اعتاد أن يسلكه يوميًا، كان في طريقه لشراء حلوى لأطفاله، قبل أن يخرجون على دوي انفجار كبير، قطع جسد والدهم إلى أشلاء تناثرت حتى مسافة 500 مترًا، ولم يترك لهم سوى حفرة عميقة من أثر الانفجار، وبقايا الدراجة النارية التي كان يستقلها.
نفذ ضباط الموساد وعملائهم العملية بحرفية شديدة، حتى أن الرمال التي أخرجوها من الحفرة وزعوها أسفل جانبي الطريق، تحت شجيرات صغيرة، كي لا يلاحظ إبراهيم عويضة تغيرًا في طريقه فيشك في الأمر. فيما قام أحد العملاء بزرع شريحة أسفل تانك البنزين في دراجة عويضة النارية، وهي الشرائح التي يوجد مثيل لها في اللغم الموضوع في الحفرة التي تم حفرها، حتى إذا مرة الدراجة النارية فوق اللغم تغلق الدائرة ويتم تفجير اللغم في الحال.
يقول مصطفى الأطرش، منسق حملة الأسرى المصريين داخل سجون الاحتلال، إن إبراهيم عويضة، بدأ قبل عامين في التوجه نحو الفكر «السلفي المعتدل»، وإنه أحد أفضل الأشخاص القادرين على اختراق الحدود الإسرائيلية، فيما يؤكد بيان جماعة «أنصار بيت المقدس» التي ينتمي إليها إبراهيم أنه كان ضمن فريق الإسناد الذي ساند المجموعة المنفذة لـ«هجمات إيلات» العام الماضي، وأنه قام بنفسه بعملية استهداف الحافلة التي كانت تقل جنود إسرائيليين قبل شهور.
من خلال تقصي أثر من قاموا بالعملية، (وهي عملية تمت بحضور ضابط مخابرات مصري) وهو عمل يتقنه أبناء سيناء جيدًا، وجدوا آثارًا لأربعة أشخاص، كما يقول عبد الله فراج، ابن قبيلة القتيل إبراهيم عويضة، يرتدون حذاء «هاي تيك»، وهو حذاء لا يأتي إلا من إسرائيل كما يؤكد، ويرافقهم ثلاثة أشخاص آخرين، استطاعوا تحديد هويتهم من خلال أثر أقدامهم على الأرض. امتد أثر الأقدام من مكان اللغم وحتى كيلومترين، حيث تنتهي آثار الأقدام عند سيارة، كانوا يستقلونها من الحدود.
حدد خبراء تقصي الأثر مواصفات السيارة كالتالي: أربع عجلات منقوشة بشكل طبيعي فيما كانت الخطوط المنقوشة على العجلة الرابعة ممسوحة بالكامل، أيضًا أشارت آثار عجلات السيارة إلى قيام سائقها بتجاوز دوران في مساحة ضيقة، وهو ما يشير إلى أن السيارة حديثة.
يقول مصطفى الأطرش: كل هذه المواصفات سواء كانت آثار الأقدام أو السيارة توفرت في شخص يدعى «منيزل»، وهو ابن نفس القبيلة التي ينتمي إليها عويضة، بالإضافة إلى شخصين آخرين، ويضيف: «كل الاجراءات الإيجابية التي أدت للكشف عن تفاصيل العملية وعن العملاء قامت بها قبيلة البريكات».
تم الكشف عن الجناة في اليوم التالي للعملية مباشرة، بعدها بيومين أوقف مجهولون كانوا يستقلون سيارتين إحداهما تايلاندي والأخرى كروز سيارة تويوتا 2005، على طريق لحفن في وسط سيناء، كان يستقلها المدعو «منيزل»، وشخص آخر، أنزل المسلحون الشخص الآخر وطلبوا منه الانصراف، فأخبرهم انه ابن عم «منيزل» فقالوا له، بحسب مصطفى الأطرش: «أنت ترباني وليس لنا مشاكل مع الترابين»، ويضيف الأطرش: «كان استخدام الآلية يشير إلى أنهم بدو».
بعد يوم، وضعت رأس منيزل على مفارق القطف، في الطريق المؤدي لمعبر العوجة، على بعد ما يقارب 5 أو 6 متر في الرمال، يقول مصطفى الأطرش: «من وضع الرأس كان محترف جدًا، لأنه وضع أحجار تحت أقدامه كي لا يستطيع أحد تحديد هويته أو تقصي أثره»، أما الجثة فألقيت في بئر العبد حوالي 70 كيلومتر غرب العريش، يقول الأطرش: «هذا الأمر له مغزيين في اعتقادي، الأول: أن هذا الطريق (مفارق القطف) طريق عام يسلكه كل أبناء القبائل فوضعوا رأسه عبرة. والثاني: أنه كما جعل جثة الشهيد إبراهيم أشلاء فرقوا رأسه عن جسده».
استطاع أبناء قبيلة البريكات، وتنظيم «أنصار بيت المقدس» في أيام قلائل الكشف عن خلية تجسس كاملة تعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية، قتل أحدهم (منيزل) واختفى آخر فيما هرب الثالث ويدعى سلامة محمد العويد، إلى إسرائيل بعد الكشف عنه.
يقول عبد الله فراج، ابن قبيلة البريكات، التي يسكن الخريزة: «هرب (سلامة) لإسرائيل. اختراق الحدود المصرية سهل، وفي الجانب الإسرائيلي ينتظرونه هناك. بعد عبوره الحدود اتصل بتاجر سيارات وأخبره بهروبه وطلب منه الذهاب إلى الحدود لأخذ سيارته»، ويضيف فراج أن الهارب إلى إسرائيل، كانت تحوم حوله الشبهات، وكانت المخابرات تسأل عنه طوال العام ونصف الأخيرين، ثم يتساءل: «لا نعرف لماذا لم يتعاملون معه».
يتابع فراج: «الموساد بدأ في الفترة الأخيرة في تجنيد بعض من أبناء المنطقة، من تم اتهامهم في القضية (العملاء) يعيشون حولنا، وفجأة وجدناهم ركبوا سيارات. تقريبًا الموساد أرسل لهم أموال لشراء سيارات ليذهبوا بها إلى الحدود ويعودون».
يستغل الموساد الإسرائيلي الظروف الصعبة التي يعيش فيها أبناء المنطقة الحدودية. في قرية الخريزة، لا يرى أبنائها الكهرباء في أفضل الأحوال إلا ست ساعات يوميًا، من خلال مولد كهرباء متهالك ودائم العطل، يعمل نظريًا من السادسة مساءً وحتى الثانية عشر، أما عمليًا فلا يعمل في كثير من الأيام. كما يقول عبد الله فراج، الذي يضيف: نضطر لشراء الماء من مسافات بعيدة، لأن المياه التي تصلنا غير صالحة للشرب.
يضطر أبناء الخريزة إلى السفر 50 كيلومترًا شمالًا لإجراء اتصالات تليفونية من قرية القسيمة، حيث لا تعمل شبكات المحمول المصرية في المنطقة، ما يجبر بعض أبنائها على استخدام شبكات المحمول الإسرائيلية التي تغطي المنطقة بشكل كامل. يقول فراج: «حضر من قبل مسؤول من المخابرات والمحافظ، بخصوص مشكلة شبكات المحمول، ووعدنا المحافظ بعمل عامود إرسال وجاء بالفعل مسؤول من إحدى شبكات المحمول، ثم لم يحدث شيء، وعندما سألنا قالوا لنا إن المخابرات قد رفضت».
لا تعرف قرية الخريزة حتى المواصلات، حيث تتوقف عند القسيمة 50 كيلومترًا شمال الخريزة. لا تعرف قرية الخريزة من الدولة المصرية سوى الانتماء الذي يكنونه لها.
يقول مصطفى الأطرش: «منطقة في مثل هذه الظروف الاقتصادية وفي مثل هذا الفقر لابد أن يكون بها شوائب متراكمة. حدودنا غير مؤمنة، اتفاقية كامب ديفيد تحدد القوات الموجودة في المنطقة ج بـ 750 شرطي، علمًا أن من بينهم من هو موجود في كمائن في الوسط ومن يتبقى على الحدود. كل هذا بسبب الاتفاقية التي تنتزع كل الصلاحيات الإنسانية. الاتفاقية لم تضع الإنسان في طياتها، فلم يصبح هناك زراعة ولا صناعة ولا غيرها».
قسمت اتفاقية كامب ديفيد سيناء تقسيمًا جغرافيًا أمنيًا إلى ثلاث شرائح طولية، هي أ، ب، ج على التوالي من الغرب إلى الشرق. المنطقة أ، وتبدأ من الضفة الشرقية لقناة السويس، بعرض 58 كيلومتر، وتسمح فيها الاتفاقية لمصر بوجود فرقة مشاة ميكانيكي فقط، والمنطقة ب وعرضها 109 كيلومتر، وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود مسلحون بأسلحة خفيفة، ثم المنطقة ج وعرضها 33 كيلومتر تمتد حتى الحدود الدولية مع إسرائيل، ويقتصر الوجود الأمني فيها على قوات الشرطة فقط.
في مثل هذا الوضع الأمني المتردي على الحدود المصرية_ الإسرائيلية لا يمثل اختراق الحدود المصرية من قبل ضباط الموساد (أو غيرهم) أي صعوبة، يقول عبد الله فراج: «بالتأكيد يخترقون الحدود (ضباط الموساد) ويذهبون لمصر ويرجعون، ولكن ما كشف هذا الاختراق أن هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها عملية قتل»، ويقول مصطفى الأطرش: «عندما تريد إسرائيل أنن تأخذ شخص من سيناء تأخذه. هناك اقتحامات (للحدود). هناك أشخاص نفتقدهم حتى اليوم ولا نعرف أين هم، ويقال لأهاليهم إنهم في إسرائيل».
في أقل من أسبوع واحد استطاع التنظيم الذي انتمى إليه عويضة كشف تفاصيل العملية وشبكة التجسس التي وشت به، وألقى القبض على زعيمها وحقق معه، واقتص منه بقطع رأسه ووضعها على طريق عام عبرة لمن لم يعتبر، فيما تتواصل الحملة «نسر» التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة التابعة لدولة بأكملها منذ رمضان الماضي، لإلقاء القبض على من قتل الجنود المصريين لحظة إفطارهم، دون جدوى.
يرى مصطفى الأطرش أن سبب نجاح التنظيم في هذه المهمة في هذا الوقت القياسي هو اعتماده بشكل أساسي على أبناء قبائل سيناء في الكشف عن تفاصيل العملية بعكس الدولة المصرية، ويضيف ابن قبيلة الترابين: «طالما لم يستعينوا بأبناء القبائل ستظل الحملة دائرة، حاولنا أن نكون يد طولى من أجل القضاء على ما يحدث في سيناء، لأن هذا الأمر خطر على كل أبناء سيناء، إلا أن الأجهزة الأمنية ترفض».